بوّابة مزروعة بزهور الذكريات
ذكريات القصص التي كان يسردها الكبار على أسماعنا
قصص خيالية .. وأخرى دينية ذات قيمة مستفادة
وموضعنا هنا نلج منه إلى ~ القصة في القرآن
نتحدث عنها لابعمق أبعادها .. ولكن ببساطة إلمامنا ومما قرأناه ..
ففي القرآن الكريم تكون للقصة أهداف وغايات هي الجوهر..
وفي طياتها دروسٌ وعبر.. لاتتحقق إلا بها .. وإليها نتطرق هنا ..
تشغل القصة مساحة واسعة من القرآن الكريم يقارب الثلث ..
تمثّل ثلاث أنواع من القصص :
- قصص الأنبياء السابقين ..
- وقصص الأمم الغابرة ..
-وقصص تتعلق بسيرة نبينا محمد ..
عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة والسلام ..
أهداف القصص القرآنية ~
يقول الله تعالى :
(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى
وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ
وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) سورة يوسف الآية 111.
إن قصص القرآن معينٌ لا ينفد، ومورد لا ينضب، وكنز نغترف منه
دروساً شتى ... في الإيمان ..في العمل .. في الجهاد ، في الدعوة،
وفي الصبر والثبات ... دروسٌ تشمل كل مجالات الحياة...
من أهداف القصص القرآنية :
إثبات وحدانية الله،
وأن الدين عند الله الإسلام منذ خلق آدم إلى يوم القيامة،
وأن الأنبياء جميعا دعوتهم واحدة ،
والإيمان بنصر الله تعالى وتأييده لعباده المؤمنين به ،
وعاقبة المكذبين الضالين ..
ومن خلال سير الأقوام التي سادت ثم هلكت شر هلاك..
كثمود .. وعاد.. وقوم لوط .. وغيرهم ..
دعوة إلى النظر في عاقبة المكذبين على مدار الزمن ، والاعتبار ،
واليقين بأن سنن الله التي حتمت هلاكهم فيما مضى ستظل ثابتةً
ماتعاقبت السنون .. وكرّ الدهر ..ألا وهي سوء المنقلب ..
كما جرت سنة الله على الذين من قبلهم ، ولن نجد لسنة الله تبديلا ..
( وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ
أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَاد)
ولنا هنا وقفة ونظرة في جانب من حياة...
أبو الأنبياء .. إبراهيم .
كان إبراهيم أمّة !
وقف بقوة وشجاعة أمام جحافل الكفر في مجتمع عاكف على
عبادة السلطان ... والأوثان ..
واختار الطريق الأصعب في تفجير الموقف ..على رؤوس الكفر
حين ازدحمت نفسه .. وضاقت بجهل القوم وضيق عقولهم ..
فلننظر من خلال هذه المواقف .. ولنستخلص ..
موقف الناصح :
لم يدّخر إبراهيم وسعاً في دعوة أبيه آزر إلى الهدى ..
كان معه ليّناً رفيقاً مشفقاً عليه من عاقبة أمره ،
مبيناً له عجز وهوان معبوده
فلم يلين .. مع استمرار ابراهيم معه .. حتى آخر الجهد
ثمّ أتاه يوماً معاتباً ..بعد أن استنفذ النصح :
( أتتخذ أصناماً آلهة .. اني أراك وقومك في ضلال مبين..)
وبقي في ضلاله ..!
موقف الحجة والبرهان العقلي:
عزم إبراهيم أن يبين لقومه حجة عملية عقلية
يستدل بها على فساد عبادة الأصنام
التى لا تنفع ولا تضر، بعد أن أعياه النصح لقوم لايفقهون
لعلهم يدركون تفاهة ما هم عليه من عبادة حجارة
مخلوقة جامدة لا تنفع ولا تضر...
ولا تشفع ولا تسمع ولا تغني عن عابديها شيئا
فنراه وهو ينهال على الأصنام ضرباً وتحطيماً..
حتى إذا جعلهم جذاذاً علّق الفأس برقبة كبيرهم .. إمعاناً في تحقيرهم..
ليبين لهم ضعف عقولهم وضلالهم في عبادة مالا يملك من أمره شيئاً ..
وليقيم الحجة على بطلان معتقداتهم.. على مرأى ومسمع من الجميع ..
أسرع القوم محملين بالغضب إلى إبراهيم :
( قَالُواْ ءأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِـآلهتنا يإِبْرٰهِيمُ ) ؟
قال : ( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْـئَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ )
لقد أخذهم بطريقته الحكيمة إلى جواب كانوا يتحاشوه ولم يكونوا ليقرّوه..
كان قويا بالله قويا بحجته ..ونتساءل هل وعى قومه الدرس ؟
أبداً لقد أخذتهم العزّة بالإثم ونكسوا على رؤوسهم .. فقرروا إحراقه ..!
قدرة الله فوق نواميس الكون :
في مشهدٍ يتحدى قوانين الكون .. ويرغم أنف الكافرين على الإقرار
بخالق عظيم بيده وحده أن يقول للشيء : كن.. فيكون ..!
ألقي إبراهيم في النار المتأججة.. وتجلّت هنا قدرة الله :
( يانار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم )
هكذا شهد الحاضرون النار متوقّدة عظيمة اللهب
تسري بقانونها الطبيعي .. لكنها على إبراهيم وحده
بطل ناموس إحراقها ..كانت ليست برداًعليه فقط ..
ولكن سلاما.. أي برداً لطيفاً لايؤذي ابراهيم ..
هذا هو الإله العظيم المستحق وحده بالعبادة ..
بيده أن يبطل مايشاء من نواميس الكون ..
وتلك هي آلهتكم ..! هذا البرهان ..! فأروني برهانكم ..!
وهنا جاء نمرود .. وقد عقد العزم على أن يقارع إبراهيم الحجة بالحجة ..
وأن يأتي بالبرهان ...
وهو على ثقة بما عنده كما سولت له نفسه وغره بالله الغرور.. .
ولكن ..! في جداله العقيم سقطت آخر ورقة رابحة بيده .. وخسر المبطلون
غالط نمرود في جوابه لإبراهيم عن إمكانية الإماتة والإحياء ..
وتهيأ له أنه أفعمه...
ولكنه ألجم فلم يدر بم يجيب إبراهيم حين فاجأه بالقول :
( فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب .. فبهت الذي كفر )
عرف نمرود حجمه .. وأدرك الناس عجزه ..
وأخرس .. فلم يسعفه خداعه وغروره .. وأسقط في يده ..!
وهذا درس للطاغين في كل زمان ومكان ..!
أن الله هو الخالق .. وبيده مقاليد السمواوات والأرض ..
ومصائر المخلوقات ... وهو الذي أوجد نواميس الكون
وبيده وحده تغييرها ...
وأن على المخلوق أن يدرك حجمه ويتواضع لله ولا يتجبر ..!
هذا فصل من قصة أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم .. في أرض بابل ..
وهناك فصول أخرى تلتها حين هاجر من أرض الكفر والفتنة
إلى الأرض المقدسة .. ومصر...
وكلها مواقف لاتنسى ... نستقي منها دروساً كثيرة ...
في الجهاد .. والصبر في الدعوة إلى الله ..
وتبين أروع صور التوكل وتفويض الأمور لله تعالى ..
والتوجه بالدعاء إلى الله وحده وطلب العون منه .
ـ حديث الروح ـ
الغاية من القصة القرآنية / أضواء على قصة أبو الأنبياء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق