أتهــــزأُ بِالدُّعَاءِ وَتَزْدَرِيهِ .. وما تدري بما صنع الدعاءُ
سِهَامُ اللَّيلِ لا تُخْطِي وَلَكِنْ لها أمدٌ .. وللأمدٍ انقضاءُ
( الشافعي )
أختي المسلمة الممتحنة .. أينما كنت :
اتجهي بقلبك إلى الله .. واسأليه وأنت في موقف الضراعة والخشوع ...
ستشعرين وأنت لم تغادري مكانك بأن دعاءك الذي خرج من قلبك ..
قد شق طريقه إلى عنان السماء..
وعلى قدر الإخلاص والإيمان تكون الاستجابة..
نجد ذلك مكنوناً في قوله تعالى :
( إليه يصعد الكلم الطّيّب ، والعمل الصالح يرفعه )
فليس بين القلب المؤمن وبين الله مانع ..
فمن آمن اتجه قلبه إلى الله فوراً .. فدخله النور
فإذا مادعى انطلقت دعواته صاعدة إلى الله ..
هذا عن القلب الممتلئ بنور الإيمان وحرارة الدعاء ..
أمّا صاحب القلب المنكوس إلى أسفل ..
فهو الذي لايستجاب له مهما دعا
يقول الله تعالى : (( وما دعاء الكافرين إلاّ في ضلال ))
هذا القلب بعيد عن الله .. متجه إلى الشيطان ..دعائه يصدر من ظلام
ويتجه إلى ظلام .. وهنا يكون من المحال استجابة دعائه ..
وقد جاء في الحديث مايؤكد هذه الحقيقة :
" يقول أحدكم يارب ، يارب.. ومطعمه حرام ،
ومشربه حرام ،وملبسه حرام ،
وقد غذّي بالحرام ، أنّى يُستجاب له ؟! ".
إذن لبّ الدعاء هو توجه القلب بإخلاص وإيمان تامّين ..
إلى الله تعالى وحده .. لاشريك له .
وهذا ماتموج به الآية الكريمة :
( وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب ،
أجيب دعوة الدّاع إذا دعان ،
فليستجيبوا لي ، وليؤمنوا بي ، لعلهم يرشدون ).
ياعبادي حوّلوا قلوبكم نحوي .. كونوا مؤمنين بي .. واتجهوا إليّ
اتجاهاً خالصاً لاشرك فيه .. أحقق سؤلكم وأستجيب لكم ..
هذا هو الشرط الباطن للدعوة ..وإن لم يتوفر ..
فلا تتوقعوا أن يستجاب لكم ..!
( الإخلاص في الدعاء ~
إن اللسان ترجمة ظاهرية لما في الباطن ..
والباطن - وهو القلب - حين يتجه بكليته إلى الخالق ،
وينغمر في الدعاء..
يشعر أن مغاليق قلبه قد انفتحت .. وأبوابه قد شرعت ..
وأن نوراً من الإيمان قد أضاءه ..
وأن روحه قد شفّت وخفٌت واتصلت بأسباب السماء ..
وأنه ذاب في ذرات الدعاء .. فغمرته روحانية
رفعته عن أرضية جسده ..
حين ذاك يجيش بقلبه الموحد اطمئنان تام ، ورضا وسلام ..
وتفتح لدعاءه أبواب السماء ..
( ادعوني أستجب لكم ) .. آمنوا بي وأخلصوا ..
أهب ما أشاء لمن يشاء..
إن التوجه القلبي لايكون صحيحاً إلا إذا كان مباشراً لله ..
وهذا معناه أن الله تعالى لايقبل أي شرك ..
مهما كان صغيراً ونحن نتوجه إليه..
فليس من المعقول أن نتجه إلى الله ..
وإلى ماسواه في آنٍ واحد ..!
إذن ..حوّلي قلبك إلى الله وحده ..
فالشرك أن المرء في الباطن يتجه إلى غير الله ،
وهو يعتقد أنه متجه إليه تعالى..
( دعاءٌ لايكاد يُرد ~
يقول الإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله :
إِذَا اجَتمَعَ مَعَ الدُّعَاءِ حُضُورَ الْقَلْبِ وَجَمْعِيَّتَهُ
بِكُلِّيَّتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ،
وَصَادَفَ وَقْتًا مِنْ أَوْقَاتِ الإِجَابَةِ السِّتَّةِ، وَهِيَ:
- الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنَ اللَّيْلِ
- وَعِنْدَ الأَذَانِ
- وَبَيْنَ الأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ
- وَأَدْبَارُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ *
- وَعِنْدَ صُعُودِ الإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ
حَتَّى تُقْضَى الصَّلاةُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ
- وَآخِرُ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ .
وَصَادَفَ خُشُوعًا فِي الْقَلْبِ، وَانْكِسَارًا بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ،
وَذُلًّا لَهُ، وَتَضَرُّعًا، وَرِقَّةً. وَاسْتَقْبَلَ الدَّاعِي الْقِبْلَةَ .
وَكَانَ عَلَى طَهَارَةٍ .. وَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى اللَّهِ .
وَبَدَأَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ .
ثُمَّ ثَنَّى بِالصَّلاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
ثُمَّ قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ حَاجَتِهِ التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ .
ثُمَّ دَخَلَ عَلَى اللَّهِ ، وَأَلَحَّ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ،
وَتَمَلَّقَهُ وَدَعَاهُ رَغْبَةً وَرَهْبَةً.
وَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَتَوْحِيدِهِ .
وَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ دُعَائِهِ صَدَقَةً
فَإِنَّ هَذَا الدُّعَاءَ لا يَكَادُ يُرَدُّ أَبَدًا ،
وَلا سِيَّمَا إِنْ صَادَفَ الْأَدْعِيَةَ الَّتِي أَخْبَرَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا مَظَنَّةُ الْإِجَابَةِ،
أَوْ أَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ لِلاسْمِ الْأَعْظَمِ.
( دعوة المظلوم :
المظلوم كائن تقطّعت به السبل .. وخذلته الأسباب الظاهرة ..
تراه يتجه إلى ربه وحده بكل هذا الكم الهائل
من الشعور بالظلم ..اتجاهاً شديداً..
بكل حرارة القلب المكتوي بنار الاضطهاد ..
فترتفع ظلامته وشكواه سريعاً ..
كأسرع من البرق .. وتكون الاستجابة من الله تعالى .. فوراً
هي دعوة ليس بينها وبين الله حجاب ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم موصياً معاذ بن جبل
حين بعثه إلى اليمن :
( اتق دعوة المظلوم فإنّها ليس بينها وبين الله حجاب ).
ودعوة المظلوم ليست حتماً أن تكون سؤالاً محدداً..
وإنّما قد تكون توجٌهاً..
كمثل ماقال الرسول صلى الله عليه وسلم وآعلنها ظاهراً لأبي بكر..
وهي ترتفع وتتجه مباشرة من قلبه إلى الله .. بيقين وثقة ..
( إنّ الله معنا )..
دعوة نبينا الكريم الذي اضطهده قومه وأخرجوه من دياره ..
دعوة انطلقت إلى عنان السماء .. فكانت الاستجابة المباشرة :
( وأيّده بجنود لم تروها ، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى ، وكلمة الله هي العليا ).
وهذا نوح استنفذ الأسباب .. وبلغ أقصى الجهد .. فجأر إلى الله بالدعاء :
( أنّي مغلوبٌ فانتصر ) ..
إني مقهور .. ملأني الهمّ والغمّ .. فأنصرني يارب ! .. فكانت الاستجابة :
( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ، وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على أمرٍ قد قدر
وحملناه على ذات ألواح ودسر ، تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر )
هذه بعض الصور لكرام البشر .. الأنبياء ..
ومن بعدهم سائر البشر..من المؤمنين ..
فأيما مؤمن أصابه سهم الظلم ..
ودعا ربه دعاء خالصاً وهو موقن بالاستجابة ..
من قلب يموج بحرارة الإيمان ..
تعتصره وطأة الألم وشعور الظلم الواقع عليه
إلا واستجاب الله دعاءه ..
وأنصفه ممن ظلمه..
وإليكن أخيراً هذا الدعاء الجليل ..
دعاء لم يتركه ابن تيميّة ..
دعاء عظيمٌ اشتمل اثنين وعشرين سؤالاً ومطلباً..
هي أهم أسباب السعادة والصلاح في الدنيا والآخرة ..
كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به :
( رب أعني و لا تعن علي ، و انصرني و لا تنصر علي ،
و امكر لي و لا تمكر علي ، و اهدني و يسر الهدى لي ،
و انصرني على من بغى علي ،
اللهم اجعلني لك شاكرا ، لك ذاكرا ، لك راهبا ، لك مطواعا ،لك مخبتا،
إليك أواها منيبا ، رب تقبل توبتي ، و اغسل حوبتي ، و أجب دعوتي،
و ثبت حجتي ، و اهد قلبي ، و سدد لساني ، و اسلل سخيمة صدري ) .
رواه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .
اللهم استجب دعائنا وسدد خطونا على الطريق المستقيم
واكتب لنا حسن الخاتمة ..
وختامكم مسك ..!
التوجه القلبي إلى الله في الدعاء / الدعاء سلاح المؤمن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق