عباد الله :
ما أحقر الدنيا وما أحقر همةً جعلت الدنيا أكبر همِّها، فالدنيا ما هي إلا سويعات ولحظات من العمر يمضيها العبد فيها، وما هي إلا كراكبٍٍ مسافرٍ استظل تحت ظل شجرة ليرتاح قليلاً ثم تركها وذهب، والسعيد من اتعظ بأحزانها وأكدارها وهمومها، وعرف أنها ليست لعاقلٍ مَسْكن، ولا هي لمؤمن مَخْلَد، فتأهبوا يا عباد الله للرحيل والسفر وتزودوا وخير الزاد التقوى والعمل الصالح، تأهبوا ليوم طويل يومٌ تسير فيه الولدان وتضع كل ذات حملٍ حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، يومٌ لا يرحم أحدٌ أحداً إلا من رحمه مولاه، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ }، فالدنيا دار عمل والآخرة هي دار القرار والجزاء، اعملوا للآخرة ولا يغرَّنكم الأمل وطول العمر، { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ }، { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ارتحلت الدنيا مُدْبرة وارتحلت الآخرة مُقْبلة ولكل واحدة منها بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل.
أخذ الرسول -صلى الله عليه وسلم- يوماً بمنكِبَيْ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال:"كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" فكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول:" إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك" .
عباد الله! إن الحياة الحقيقية والعيش الحقيقي هو عيش الآخرة، قال-صلى الله عليه وسلم-:"اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة" .
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في الخندق وهو يحفر ونحن ننقل التراب وبَصُر بنا فقال:" اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة".
أما الدنيا يا عباد الله فهي دار العمل ودار الغرور فكم غرَّت ومنَّت، وكم أغوت وألهت، وكم من إنسانٍ مات من(كلمة غير واضحة)وظل بإغواءاتها وأمانيها، ويا ليتهم انصاعوا وسمعوا لإرشادات ربهم الرحمن، قال تعالى { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } ، يبيِّن النبي-صلى الله عليه وسلم- حقارة الدنيا بالنسبة للآخرة فيقول -صلى الله عليه وسلم-:"موضع سوط في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولَغدوة في سبيل الله أو روحة-أي ذهاب وعودة في طريق لأجل طاعة من صلاة أو علمٍ أو مسجد أو صلة رحم- ولغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها"، بل إن ركعتين يركعهما المسلم مبتغياً بذلك وجه الله خاشعاً راجياً خائفاً طالباً لرحمة الله هي خير من الدنيا وما فيها.
قال-صلى الله عليه وسلم- عن ركعتي سنة الفجر:" ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها".
فيا عباد الله لا يغوينكم الشيطان عن الاستعداد ليوم الرحيل والآخرة، فإن الآخرة هي خير وأبقى، وأحبوا لقاء الله فإن مَن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، قال-صلى الله عليه وسلم-:"من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى *فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى }
اللهم اجعلنا من أهل جنتك يا رب العالمين
اللهم اجعلنا ممن لا تثنيه الدنيا وفتنها يا ذا الجلال والإكرام
- للشيخ عبد الله الظفيري -
حقيقة الدنيا والاستعداد للآخرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق