الخميس، 14 يناير 2016

قصص القرآن دروسٌ وعِبر ،،



معنى القصة في اللغة :
هي الخبر ، وهو القَصَض ، وقصَّ علي خبره يقصه قصا : أورده
ومنه: القص وهو تتبع الأثر
والقصص: الأخبار. ..
وللقصة ألفاظ تداخلها في مدلولها كثيراً مثل ( النبأ, والخبر, والمَثَل).

*******
وحين نتأمل في القصص في القرآن نجد أنها لاتقارن بغيرها ..
فهي قد تميزت بخصائص انفردت بها :
من صدقٍ في الواقعية التاريخية, وجاذبيةٍ في العرض والبيان,
وشمولية في الموضوع, وعلوٍ في الهدف, وتنوعٍ في المقصد والغرض,
ووضوحٍ في الإعجاز..

*******
وللقصة القرآنية مكانة سامية في النفوس ..
لأنها نزلت من الله عز وجل .. ولذاتفرّدت بخصائص الكمال ..
وهي أمرّ كلّف النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بتبليغه
ليكون للناس تذكرة واعتباراً..
( فاقصص القصص لعلهم يتفكرون )
وكم من تحريفات وطمس للحقائق تعرضت لها الكتب السابقة ..!
فأتى القرآن بما أوضح الحقائق وأزال الشبهات
التي خالطت الكتب السابقة بعد تحريفها ..
( إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون )


إن بيان القصص كان من مهمات الرسل السابقين ..
أما سيرة حياتهم فهي محور القصص ... وهم القدوة المستخلصة منها.

******
فالقرآن الكريم يبين لنا من خلال القصص والأحداث أن الناس
يأتون ويذهبون .. والحضارات تُشاد وتسقط
وأن الدنيا لو دامت لك مااتصلت إليك ..
( وتلك الأيام نداولها بين الناس )..
ولكن تبقى مواقف التاريخ حيّة في الأذهان ..
والقرآن الكريم به دعوة صريحة لدراسة أحداث الأمم السابقة وآثارها
لما تحمله من عبر... ولنتعلم من ذلك دروس الحياة ..

*******
إن الأحداث والوقائع في القرآن لها :
تنزيلٌ .. وتأويل ~
والمقصود بالتنزيل هو مورد نزول الآية ..
أما التأويل فهو تطبيق الآية على مدى الأزمان ،
وانطباقها في ظروفٍ مشابهة لمورد نزول الآية ..

فلنوضح كمثال على ذلك هذه الآية الكريمة :
( إلاّ من أُكره وقلبه مطمئنٌ بالإيمان ) النحل 106
مما لاشك فيه أن التعرض للأنبياء الكرام بالسب
كفرٌ يخرج المرء من دائرة الإيمان ..
وقد استثني من ذلك من كان حاله كحال الصحابي عمار بن ياسر
حيث أكره على الكفر ، فكفر بلسانه ولكن قلبه قد وقر فيه الإيمان؛

*******
أخرج البيهقي والحاكم واللفظ له، عن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه،
قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر،
فلم يتركوه حتى سبَّ النبي صلى اللّه عليه وسلم،
وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه.
فلما أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال له :
ما وراءك؟
قال : شر يا رسول اللّه، ما تُرِكت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير.
قال: فكيف تجد قلبك؟
قال: مطمئناً بالإيمان،
قال: فإن عادوا فعد.

*******
ولكن الآية لايمكن حصرها وتجميدها في شخص معين ،
لأن القرأن كتاب حي خالد يتمشى مع كل عصر ..
وتسري أحكامه على كل الناس ، ويخاطب بلغته آجيال الإنسانية كلها ..
ولو أن كل آية نزلت في قوم فماتوا .. وماتت الآية لما بقي شيء من القرآن ..
لكن القرآن يجري أوله على آخره مادامت السماوات والأرض ..
ولكل قوم آية يتلونها من خير أو شر ..
فالقرآن يبعث الحياة في القيم ، ويجعلها تتحرك في الأجساد .



قصة صاحب الجنتين .
. دروسٌ وعبر :
في هذه القصة التي ذكرها القرآن الكريم مثلاً حيّاً للقيم الجاهلية
التي تتحكم في نفوس البعض ،
ومثلاً للقيم الإسلامية الحقيقية التي تملأ نفوس البعض الآخر ..
فتعالين نتأمل في أجزاء الآيات وننظر في بعض الدروس
التي استخلصها بعض أئمة الإسلام رضي الله عنهم :

قال تعالى:
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً
وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً )الكهف: 32-33.


الدروس المستخلصة من الآيات :
1- ينبغي للعبد إذا أعجبه شيء من ماله أو ولده
أن يضيف النعمة إلى مسديها؛
ليكون شاكرا لله متسببا لبقاء نعمته عليه] السعدي

2- الافتخار الذي لم يُعترف بفضل الله فيه
ولم يشكر الله عليه يحبط الأعمال ] ابن عثيمين

3- أن الله ينعم على عباده ليبتليهم؛ هل يشكرون أم يكفرون؟] ابن جبرين

*******
قال تعالى :
(وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً
وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً)35-36.


الدروس المستفادة من الآيات :
1-اطمئنان الرجل إلى الدنيا ورضاه بها وإعجابه بجنتيه
حتى نسي أن الدنيا لا تبقى لأحد. وإنكاره للبعث ] ابن عثيمين

2- تمرده وعناده؛ لقوله (ولئن رددت إلى ربي)
قاله على وجه التهكم والاستهزاء!]

[الغالب أن الله يزوي الدنيا عن أوليائه وأصفيائه،
ويوسِّعها على أعدائه الذين ليس لهم في الآخرة من نصيب ] السعدي

3- حقارة هذه الدنيا من أولها إلى آخرها، فالله يعطي الدنيا من يحب
ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب!]

[نسيان الرجل قدرة ربه الذي أعطاه ومكّنه، بأن يسلبه ما آتاه!] ابن جبرين

*******
قال تعالى :
(قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ
ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) 37-38


الدروس المستخلصة من الآيات :
1- أن منكر البعث كافر ] ابن عثيمين

2- اعتزاز المؤمن بإيمانه بالله واعترافه به وبفضله عليه،
وإقراره بربوبية ربه، والتزام طاعته وعدم الإشراك به ]. السعدي

3- أن في تذكر الإنسان مبدأ أمره وخلقه موعظة عظيمة وذكرى ]

[في قول المؤمن (هُوَ اللَّهُ رَبِّي) دليل على أن صاحب الجنتين قد أشرك ]ابن جبرين

*******
قال تعالى :
(وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ
إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً ) 39


الدروس والعبر من الآيات :
1- أن نعمة الله على الإنسان بالإيمان والإسلام ولو مع قلة المال والولد
هي النعمة الحقيقية، وما عداها معرض للزوال والعقوبة]. السعدي

2- ينبغي للإنسان إذا أعجبه شيء أن يقول: (مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ)
حتى يفوض الأمر إلى الله لا إلى حوله وقوته]. ابن عثيمين

3- من اعترف بفضل الله عليه، فإنه يبارك الله له فيما أعطاه،
وأما من أشِر وبطر، فلا يبارك الله له فيما آتاه ولا ينتفع به ] ابن جبرين

*******
قال تعالى :
(فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ
فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً)40-41


والقيم المستخلصة من الآيات :
1- الدعاء بتلف مال من كان ماله سبب طغيانه وكفره وخسرانه،
خصوصا إن فضّل نفسه بسبب ماله على المؤمنين وافتخر عليهم ] السعدي


2- في قوله: (حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ) خص السماء لأن ما جاء من الأرض
قد يدافع، لكن ما نزل من السماء يصعب دفعه ويتعذر!] ابن عثيمين

3- قوله: (خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ) أي أفضل منها وهي جنة الآخرة،
وجنة الدنيا هي الفرح بفضل الله والالتذاذ بطاعته،
والاغتباط بالأعمال الصالحة، والأنس بذكر الله وشكره،
فهذا خير من متاع الدنيا متاع الغرور] ابن جبرين .

*******
قال تعالى :
(وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا
وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً
وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً)42-43.


الدروس المستخرجة من الآيات :
1- (استجابة الله لدعاء من دعاه ]

[ كان مآل الجنتين الانقطاع والاضمحلال، وكأنه لم يتمتع بها!] السعدي

2- الندم بعد فوات الأوان لا ينفع، إنما ينتفع من سمع القصة واعتبر بها] ابن عثيمين

3- أن سبب عقوبته لأنه أشرك بالله، ونسب نعمة الله إلى غيره،
وفضل الله إلى نفسه وقوته وحيلته، وتناسى عطاء الله له ] ابن جبرين

وختمت هذه الآية من سورة الكهف هذه القصة :
(هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً] 44.

وخاتمة العبر :
1- أن ولاية الله وعدمها إنما تتضح نتيجتها إذا انجلى الغبار وحقَّ الجزاء،
ووجد العاملون أجرهم ] 

[من كان مؤمنا بالله تقيا كان له وليا وأكرمه بأنواع الكرامات،
ودفع عنه الشرور والمَثُلات، ومن لم يؤمن بربه ويتولاه
خسر دينه ودنياه! ] السعدي.

2- أن في يوم القيامة لا نُصرة ولا مُلك إلا لله الحق جل جلاله،
وأن جميع من دونه لا يفيد صاحبه شيئا ].ابن عثيمين.

3- أن من خذله الله فليس له ولي، ولا ناصر ينصره من عذاب الله،
ومن أمِن بأس الله فإنه ضال مضِل ]. ابن جبرين.

*******
إن قصص القرآن الكريم بصائر ومواعظ
فمن أبصر فلنفسه
ومن عمي فعليها ..


- حديث الروح -
- ولي نبض آخر




قصص القرآن دروسٌ وعِبر ،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق