الأحد، 18 أكتوبر 2015

السركويدية

السركويدية Sarcoidosis مرض يتميز بنمو أورام حبيبية التهابية Granulomas صغيرة جداً، في مناطق مختلفة من الجسم. غير أنها تصيب بكثرة الرئتين والعقد اللمفاوية داخل التجويف الصدري والعيون والجلد.


ويعتقد العلماء أن السركويدية تنتج من رد فعل غير طبيعي للجهاز المناعي. ويختلف مجرى (مسلك) المرض من شخص الى آخر. وعادة ما يختفي المرض تلقائياً، غير أنه عند البعض من الناس قد تبقى أعراضه طوال الحياة.


وفي حال كون المريض يعاني من أعراض خفيفة (غير خطيرة)، فإنه يحتاج فقط للمراقبة دون الحاجة للعلاج الى حين تحسنه تلقائياً. أما في حال كانت الأعراض تشكل مصدر ازعاج وتشكل خطراً على الأعضاء الحيوية من الجسم، فإن العلاج بالأدوية المضادة لإلتهاب قد تساعد المريض بشكل ملحوظ.


الصورة السريرية


تتنوع أعراض وعلامات المرض، وتتوقف على العضو الذي يصاب، وعلى مدة المرض. ففي خمسة بالمئة من الحالات تكون الأعراض قليلة جداً، بحيث لا تلاحظ أو تكتشف إلا عن طريق الصدفة، وذلك في حال إجراء صور شعاعية روتينية للصدر الرئتين


وأستطيع أن أوجز أعراض وعلامات السركويدية بما يلي:


سعال جاف ومستمر.


ضيق نفس.


احمرار العينين، يكون مصحوباً بسيلان مائي (التهاب).


حمى (ارتفاع درجة حرارة الجسم).


إرهاق عام.


فقدان وزن الجسم.


ظهور عقد صغيرة حمراء أو بنفسجية اللون تسمى العقد الحمامية Erythema Nodosum على الوجه والذراع أو الأرداف، وهي عبارة عن عقد التهابية تتلاشى ببطء تاركة مكانها رقع جلدية تشبه الكدمات. إضافة الى ظهور ذئبة شرئي Lupus Pernio وهي عبارة عن طفح جلدي مكون من لويحات بنفسجية اللون ملساء ولامعة على الوجه، خاصة في منطقة الأنف والأذنين والخدين، وهي من المميزات الجلدية الخاصة بالسركويدية.


التهاب مفاصل المعصم (رسغ اليد) والكاحل (القدم) والمرفق (الكوع). وعادة تكون هذه الأعراض مصحوبة بظهور العقد الجلدية الحمامية Erythema Nodosumعلى القسم الأمامي السفلي للساق، إضافة الى التهاب السبلة الشحمية تحت الجلد Panniculitis، وهي عبارة عن التهاب الدهن تحت الجلد مكونة عقداً جلدية.


تضخم العقد اللمفاوية خارج التجويف الصدري.


وقد يحدث مرض السركويدية تدريجياً، مصحوباً بظهور علامات وأعراض تدوم سنوات. أو على النقيض، قد يظهر المرض بشكل فجائي، ويختفي بشكل فجائي ايضاً، دون الحاجة للتدخل العلاجي.


أسباب المرض


حتى يومنا هذا لم يستطع العلماء التوصل الى سبب مقنع لحدوث السركويدية، مع أن العديد منهم يعتقد أن المرض يحدث عندما يبدي جهاز المناعة رد فعل مبالغ فيه تجاه دخول مادة سامة Toxin، أو دواء أو جراثيم (بكتيريا أو فيروسات) جسم الإنسان، وهذا بدوره يؤدي الى ظهور مناطق مميزة صغيرة التهابية تسمى أورام حبيبية Granulomas.


وهنالك اعتقاد آخر مفاده أنه عندما يجتمع العامل الوراثي (الجيني) والعامل البيئي، يؤدي ذلك الى حدوث المرض. ومع تقدم هذا المرض تقوم الأورام الحبيبية بإتلاف الأنسجة السليمة، محدثة تليفاً Fibrosis، وخاصة في المساحات القائمة بين الأكياس الهوائية داخل الرئتين. ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك الى تصلب وتيبس الرئتين، وبالتالي انخفاض كمية الهواء الداخلة اليهما.


قابلية الإصابة بالمرض


هنالك عدة عوامل تساعد على الإصابة بالمرض، وهي:


السن: عادة يظهر المرض بين سن 20 – 40 عاماً. ونادراً ما يصيب الأطفال، غير أنه قد يصيب الأشخاص فوق سن الخمسين.


العرق والجنس: الأفارقة السود أكثر عرضة من غيرهم من الناس للإصابة بالسركويدية. وتبلغ نسبة اصابة النساء السود ضعف إصابة الرجال السود. غير أن هذه النسبة تتساوى بين الرجال والنساء البيض. أما على نطاق عالمي فإن المرض أكثر انتشاراً بين النساء منه بين الرجال.


التقسيم الجغرافي: السركويدية، أكثر انتشاراً في الدول الآسيوية، وألمانيا والدول الاسكندنافية.


مضاعفات المرض


تتحسن الحالة عند حوالي ثلثي المرضى المصابين بالسركويدية دون عواقب ومضاعفات دائمة. غير أنه عند البعض الآخر قد تصبح الحالة مزمنة، وتؤدي الى مضاعفات، أوجزها بما يلي:


تليف الرئتين.


التهاب العينين: وفي حالات قليلة جداً قد تؤدي الحالة الى الغلوكوما Glaucoma والساد Cataract ونادراً ما تؤدي الى العمى.


الجهاز العصبي: قد يصاب عدد ضئيل من المرضى باضطرابات عصبية، وذلك في حال تكون الأورام الحبيبية في الدماغ والنخاع (الحبل الشوكي) حيث يعانون من صداع أو إحساس بوخز Paresthesia أو نوبات صرع.


أما التهاب العصب الوجهي (العصب الجمجمي السابع) فقد يؤدي الى الإصابة بالشلل Bell’s Palsy.


ومن المحتمل أن يحدث اضطراب وظيفي في الغدة النخامية والمنطقة تحت المهاد Hypothalamic-Pituitary في الدماغ، مؤدياً الى البوالة التفهة Diabetes Insipidus، وهي عبارة عن اضطراب في وظيفة الغدة النخامية تتميز بفرط التبول.


ومن أخطر المضاعفات التي قد تصيب الجهاز العصبي المركزي، هي التهاب السحايا Meningitis.


الإخصاب: قد تؤدي السركويدية عند الرجال الى تلف الخصيتين، وبالتالي الإصابة بالعقم. أما عند النساء، فإنه نادراً ما يؤدي ذلك الى صعوبة في الحمل (إلا في حال كون السركويدية من النوع الشرس).


القلب: قد يصاب القلب بعدم انتظام دقاته Arrhythmia واعتلال في عضلته Cardiomyopathy.


الكبد: في حال إصابة الكبد بالأورام الحبيبية، فقد يؤدي ذلك الى تضخمه. وقد يصل الأمر الى فشله وظيفياً.


الكلى: قد تتكون الحصى في الكلى، وفي الحالات الصعبة قد يؤدي الوضع الى الفشل الكلوي.


العظام والمفاصل: نادراً ما تصاب العظام بالمرض، غير أنه من الممكن إصابة عظام اليدين والقدمين والأنف. وفي حالات معينة تتورم مفاصل اليدين والقدمين.


والسركويدية نادراً ما تؤدي الى الموت، أما إذا حصل ذلك فقد يكون بسبب تليف الرئتين وفشلهما أو بسبب علة في عضلة القلب.


التشخيص


يتم تشخيص السركويدية بعد أن يقوم الأطباء باستثناء ونفي إصابة المريض بأمراض أخرى شبيهة بالسركويدية، مثل: السل، الورم اللمفاوي Lymphoma، التهاب المفاصل الرثياني Rheumatoid Arthritis، الحمى الرثية Rheumatic Fever وخمج فطري Fungal Infection.


ومن أهم الفحوصات التي يجب عملها، هي: صور شعاعية للرئتين، اختبار وظيفة الرئة، فحوصات مخبرية للدم، وخاصة اختبار وظيفة الكبد ومستوى الكالسيوم (إذ أنه لأسباب تكاد تكون غير معروفة فقد يرتفع مستوى الكالسيوم في الدم عند بعض مرضى السركويدية).


وقد تبين لدى بعض المرضى المصابين بالسركويدية أن الأورام الحبيبية تفرز إنزيماً معيناً يسمى Angiotensin-converting enzyme، لذلك من المستحسن فحص مستوى هذا الإنزيم في الدم) علماً أن هذا الإنزيم قد يكون مرتفعاً في أمراض أخرى غير السركويدية).


وهنالك فحوصات أخرى يخضع لها المريض لا مجال لذكرها هنا.


وبناء على نتائج التصوير الشعاعي للرئتين، تصنف السركويدية الى خمس مراحل، هي:


المرحلة صفر: وفيها تكون الصور الشعاعية للرئة طبيعية.


المرحلة الأولى: الرئتان سليمتان، غير أن العقد اللمفاوية داخل التجويف الصدري تكون متضخمة.


المرحلة الثانية: إضافة الى تضخم العقد اللمفاوية، يلاحظ تغير في الرئتين (ترشيح Infiltrates).


المرحلة الثالثة: يلاحظ التغير فقط في الرئتين (ترشيح)، مع بقاء العقد اللمفاوية في حجمها الطبيعي.


المرحلة الرابعة: تليف الرئة.


العلاج


ولحسن الحظ، لا يحتاج العديد من المرضى المصابين بالسركويدية للعلاج بالأدوية. وعادة فإن أعراض وعلامات المرض غير مقعِدة وقد تميل الى الاختفاء تلقائياً.


وقد أشارت العديد من الدراسات الى أن حوالي نصف المرضى المصابين بالسركويدية يتحسنون دون الحاجة الى العلاج بالأدوية، ويتم التحسن خلال فترة زمنية تتراوح ما بين 24-36 شهراً. وحتى لو امتدت هذه الفترة لمدة أطول من ذلك، فإن معظم المرضى يزاولون نشاطهم اليومي كالمعتاد، ودون صعوبات تذكر.


أما الأدوية، مثل الستيرويدات القشرانية Corticosteroids فقد تساعد على التخفيف من التورم والطفح الجلدي والألم. كما أن اتباع نمط حياة معين قد يساعد في السيطرة على بعض المضاعفات، مثل حصى الكلى، على سبيل المثال لا الحصر.


وعندما تظهر الصور الشعاعية للرئتين أن الحبيبات الإلتهابية آخذة بالانتشار، فإن الطبيب قد يقوم بمراقبة الوضع لمدة زمنية تتراوح بين 3-12 شهراً. وفي حال عدم تحسن الالتهاب أو توقف العملية الالتهابية كلياً، فإن الطبيب عندها يتخذ القرار ببدء العلاج.


عدا ذلك فإنه يجب البدء بالعلاج أيضاً في حال إصابة القلب والكلى والجهاز العصبي المركزي والعينين.


وقد أشارت الدراسات أيضاً، وبعد سنوات طويلة من البحث وعلاج المرض، الى أن الستيرويدات القشرانية تبقى العلاج المفضل للإلتهابات والأورام الحبيبية. والبردنيزون Prednisone (نوع من أنواع الستيرويدات القشرانية) هو العلاج الأكثر استخداماً في يومنا هذا. ولسوء الحظ لا يوجد علاج للقضاء على تليف الرئتين قد يجري زراعة رئة في الحالات الحرجة ويختلف الأطباء على المدة التي يجب أن يتناول خلالها المريض البردنيزون. فالبعض منهم يوصي بإعطاء المريض الدواء لعدة سنوات، لكن بجرعات منخفضة قدر المستطاع. غير أنه عند نسبة قليلة من المرضى تعود أعراض وعلامات المرض لتظهر في حال التوقف عن تناول الدواء.


ومن أهم التأثيرات الجانبية التي قد تحدث نتيجة تناول البردنيزون لمدة طويلة، هي: ارتفاع ضغط الدم الشرياني، الساد Cataract، داء السكري، القابلية للإصابة بالخمج Infection، زيادة وزن الجسم وهشاشة العظام Osteoporosis.


ويمكن تفادي التأثيرات الجانبية المذكورة سابقاً بتناول البردنيزون يوماً بعد يوم.


أما في حال عدم تمكن المريض من تحمل تناول البردنيزون، فمن الممكن اعطاءه أدوية كابتة للمناعة Immunosuppressive ومنها: Azathioprine, Methotrexate غير أن لهذه الأدوية تأثيرات جانبية أيضاً، مثل: الخمج، تلف الكبد، العقم والقابلية للإصابة بأنواع مختلفة من السرطان.


وقد يصف بعض الأطباء الأدوية المضادة للملاريا (علماً بأنه لا توجد علاقة بين السركويدية والملاريا غير أنه تبين أن هذه الأدوية قد تفيد في علاج السركويدية) ومن أهم هذه الأدوية Hydroxychloroquine (Plaquenil).


وأبرز مضاعفات هذه الأدوية، حدوث اضطرابات في حاسة البصر وضعف العضلات الهيكلية. غير أن الأدوية المضادة للملاريا مفضلة في التغلب على أعراض الجهاز العصبي المركزي والجلد وارتفاع كالسيوم الدم.


كيفية التعايش مع المرض


الكثير من مرضى السركويدية يتعافون بصورة كاملة، أما البعض الآخر فقد يعاني من أعراض وعلامات ضئيلة وخفيفة جداً، غير أن عدداً قليلاً منهم يصابون بمضاعفات خطيرة جداً، منها تلف الرئتين وأعضاء أخرى.


وللتعايش مع المرض والتقليل من المعاناة، يجب على المريض اتباع التعليمات التالية:


1. المحافظة على الرئتين: يمنع التدخين منعاً باتاً، ويجب عدم الاقتراب من الأشخاص المدخنين. كذلك يمنع العمل أو الاقتراب من المواد الكيميائية المتطايرة والغبار والمواد المهيجة للجهاز التنفسي.


2. الرياضة: يجب مزاولة الرياضة الخفيفة في مراكز رياضية متخصصة، وذلك تحت اشراف طبي وخاصة في حال معاناة المريض من ضيق النفس.


3. الحمية: تجنب القهوة والمشروبات الكحولية والسكر، والمأكولات الغنية بالكالسيوم وفيتامين D وتجنب التعرض لأشعة الشمس. واستخدم الزيت النباتي، وخاصة زيت الزيتون، وتناول أطعمة غنية بالمغنيزيوم وفقيرة بالكالسيوم، مثل: الموز، والبطاطا، والأفوكادو، والأرز البني، والنخالة، والشعير وفول الصويا. عدا ذلك من المستحسن تناول الخضراوات والفواكه والخبز الأسمر.


السركويدية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق