الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

بيده كل شيء .. فلا تخف إن كان هو الذي سيحفظك ..


هو الحفيظ .. وحفيظ فعيل من حافظ فاعل ، ومعنى الحفظ في الحفيظ أبلغ منه في الحافظ لذلك كان " الحفيظ " اسم من أسمائه الحسنى ، والحفظ صفة من صفاته العُلى : إذن فمنتهى الحفظ عنده ، وغاية الرعاية لديه ، وأقصى الطمأنينة ستكون وأنت بمعيّته ..



يحفظ عبده .. لذلك نقول دائماً : اللهم احفظني من بين يدي .. ومن خلفي .. وعن يميني .. وعن شمالي .. ومن فوقي .. وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي ..



إنّك تستحفظ الله جهاتك الستّ ، إنّك تطلب منه هالة حفظ تحوطك من جميع الجهات .. ولا يقدر على ذلك إلا ملك الملوك سبحانه ..



يحفظ سمعك وبصرك .. لذلك ندعوه في الصباح والمساء أن : اللهمّ عافني في سمعي .. اللهم عافني في بصري ..



ستفقد الجهاز الذي تستطيع به فهم هذا العالم إن فقدت سمعك وبصرك ..



ستعيش في عزلة سوداء ..



ستخنقك الدنيا بصمتها ..



لم أكن أعلم أن الإنسان يتنفّس بسمعه حتى حدثت لي هذه القصة :



قبل عشرين سنة وأنا في بيتنا في جبل فيفاء .. ذلك الجبل الجميل المليء بأصوات العصافير .. والرياح .. والمطر ..



أيقظتني أمّي لصلاة العصر فتصنّعت عدم سماعها ! كررت محاولات إيقاظي ، وكررت تمثيل عدم السماع .. كنت صبيّاً صغيراً وكان نومي ثقيلاً ! فدعت أمي عليّ أن يبتليني الله في سمعي إن كنت (أتصانجها) ! سمعت دعاءها ذلك ، ثم انطفأت الأصوات فجأة ..



لم أسمع شيئاً بعد ذلك !



اختفت العصافير .. وتلاشت الرياح .. وانطفأ المطر !



قمت من ذلك النوم المشؤوم ، توضّأت وصليت وأنا أنظر للدنيا من حولي وكأنّي أتعرّف إليها للتوّ ..



أرى إخوتي يتحدّثون فلا أسمع مما يقولون شيئاً ..



طلاب الفصل يضحكون من إجاباتي التي تكون بشيء لم يسأل عنه المعلّم !



اختنقت حقيقة ..



قصفت الرعود .. فتمنيت أن أسمع الرعد .. ذلك الصوت المخيف .. أنت بحاجة إلى أن تسمعه لتتأكد من أنّك ما زلت حيّاً ..



غبت بقية الأسبوع عن المدرسة ..



صارت أمّي تطيل في صلاتها السجود داعية لي ..



صرت أبكي بصمت ..



علمت أن الله هو الذي حرمني من هذه النعمة وهو وحده القادر على إعادتها .. وبعد أسبوع من الاختناق .. تنفسْتُ ..



في ليلة من الليالي وأنا في كربي ورأسي على وسادتي إذ بالدنيا تصرخ في أذني ! ما أجمل صراخ الدنيا وخاصّة صراخ القرى ! .. صوت عواء الذئاب ونباح الكلاب وثغاء الخراف وحفيف الأشجار ودبيب الحركة في البيت .. فقمت من على فراشي صارخاً : لقد عاد سمعي يا أمي ..



لقد عاد صوت العصافير .. وحفيف الرياح .. ورشاش المطر ..



الحفيظ هو من يحفظ سمعك .. الذي تسمع به الحرام .. ولو شاء لأذهبه في لحظة ..



ويحفظ بصرك الذي تنظر به للحرام .. ولو شاء لأذهبه في لحظة ..



يحفظ دينك .. لذلك تناجيه في السجود أن : يا مقلّب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك ..



لو لم يثبت قلبك على دينه لتناوشتك الشبهات ، وتخطّفتك الأهواء .. علماء أفنوا أعمارهم بين الكتب والمحابر لم يرد الله أن يحفظ عقائدهم : فكفروا به سبحانه ، وبعضهم صار مبتدعاً في الدين .. وأنت بعلمك القليل ما زلت تسجد له ؟ لقد حفظ الحفيظ دينك ..



عبد الله القصيمي يؤلّف كتاباً يدافع فيه عن دين الله اسمه " الصراع بين الإسلام والوثنيّة " يقال إنّه دفع به مهر الجنّة .. وأثني عليه على منبر الحرم .. ثم بعد ذلك بسنوات يؤلف كتاباً يهاجم فيه دين الله اسمه " هذي هي الأغلال " .. يقول : إن دين الله آصار وأغلال وقيود ! نعوذ بالله من الخذلان ..



إن الحفيظ هو من يحفظ دينك .. لا مجموعة المعلومات التي في رأسك ! لا تغتر بعلمك ، ولا بحفظك لكتاب الله ، ولا باستظهارك لشيء من سنّة النبي صلى الله عليه وسلم .. والله إن لم يحفظ الله دينك ستزيغ ..



هذا بلعام بن باعوراء يؤتيه الله اسمه الأعظم .. ليدعوه في أي وقت فيستجيب له .. فلا يحول هذا الاسم العظيم بينه وبين الزيغ فيهلك في الهالكين ..



يحفظ حياتك .. لذلك نستودعه سبحانه أحبّتنا عندما نفارقهم ونقول : أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه !! يستحيل أن تضيع الودائع التي أسبغ عليها الله حفظه وأحاطها برعايته ..



كلّ حادث ينجو منه صاحبه وراءه حفيظ أنجاه منه .. نتذكر فائدة مانع الانزلاق ، وفائدة كابح السرعة ، وفائدة البالون الواقي ، وفائدة حزام الأمان .. وننسى حفظ الحفيظ سبحانه ..



إذا صفعت الأمواج بعتوّها السفينة ، وبلغت القلوب الحناجر .. من الذي يحفظ السفينة من أن يبتلعها المحيط ؟



رأيت تسجيلا لسفينة تلعب بها الأمواج .. كان منظر من في السفينة وهم يتزحلقون بعنف من أقصاها إلى أقصاها مؤثرا .. لا يملكون شيئا .. حتى التفكير لا يستطيعونه .. الشيء الوحيد الممكن بالنسبة لهم هو محاولة التشبّث بأي شيء ..



ثم لما انتقلت الكاميرات للخارج رأيت السفينة قشة صغيرة في وسط الأمواج العاتية ..



يعلن كابتن الطائرة عن وجود عطل في الطائرة فيتحوّل أولئك الذين كان كل واحد منهم في فلك يسبح إلى مخبتين .. الكل يلتجئ إلى الله ويعلن توبته ..



نسوا آمالهم وأحلامهم وهمومهم وغمومهم وصار الموت هو كل ما يمكن لعقولهم أن تتصوّره !!



من هو الذي أصلح العطل بقدرته كي تنزل الطائرة بسلام ويخرج منها أولئك الذين حوّلهم الخوف إلى أشباح ؟



ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا * فإن وصلنا إلى الشاطي عصيناه



ونركب الجوّ في أمن وفي دعــــــة * فمـــــــا سقطنا لأن الحافظ الله



يقول تعالى : " له معقّبات من بين يديه ومن خلقه يحفظونه من أمر الله"




لأجلك أنت يأمر الحفيظ سبحانه أربعة ملائكة يحيطون بك حتى يحفظوك بأمره من كل ما لم يقدّره عليك ..



كيف لا يكون حفيظا وقد أوكل بك هذا العدد من ملائكته الكرام حتى يصدّوا عنك أي طلقة لم يشأ سبحانه أن تخترق جسدك وأي صخرة لم يرد سبحانه أن تنهي حياتك بل وأي بعوضة لم يشأ سبحانه أن تؤذي بشرتك !



أتعلم أنّه يحفظك في كل لحظة ؟



بل في كل لحظة يحفظك مئات المرات !!



كيف ؟



في هذه اللحظة حفظ قلبك من التوقّف ، وشرايينك من الانسداد ، وعقلك من الجنون ، وكليتك من الفشل ، وأعصابك من التلف ، ورأسك من الصداع ، ومعدتك من القرحة ، وأمعاءك من القولون ، وأعضاءك من الشلل ، وعينيك من العمى ، وسمعك من الصمم ، ولسانك من البكم .. كل هذا وأكثر حفظه في هذه اللحظة .. ثم يستمر هذا الحفظ في اللحظة التي تليها .. وهكذا



فكم " الحمد لله " ينبغي أن نقولها في اللحظة الواحدة ؟



إذا أوقفت سيّارتك في مكان مظلم وخشيت عليها أيدي السرّاق فاستحفظها الحفيظ .. فلن يضيّع سبحانه ما استحفظته عليه ..



إذا خرجت من بيتك في وسط الليل وخشيت على أطفالك فقل : أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .. والله ستعود وهم كما تركتهم .. لأنّه الحفيظ !



إذا ألجأتك الظروف أن تترك شيئا ثميناً في مكان عام أو مكان غير آمن فانزح بقلبك إليه وقل : اللهم احفظها .. وثق أنّ عين الله ستكلؤها إلى أن تعود ..



بيده كل شيء .. فلا تخف إن كان هو الذي سيحفظك ..


أربعة من الأصدقاء ذهبوا إلى مكان يبعد عن تبوك ستين كيلاً اسمه " نعمة ريط" ثم هبطوا الساعة التاسعة صباحاً في ما يُسمّى بالشق ! والشق هذا شرخ عظيم في قشرة الأرض ، الهبوط إليه مغامرة ، بل مجازفة بالحياة ..



فتوّتهم وحبّهم للمغامرة جعلهم ينزلون .. وصلوا إلى القاع في نصف ساعة تقريباً ، ثم مكثوا إلى قريب من المغرب في محاولة الصعود إلى السطح ! تعلّقوا بالصخور .. تزحلقت بهم الانحناءات الملساء ، تهشّمت الطبقات الصخريّة تحت أقدامهم .. عبروا من أماكن ضيّقة لا تتسع لأصابع رجل واحدة !!



تعبوا .. تشققت أرجلهم ، أنهكوا تماماً ، بلغ بهم العطش مبلغاً عظيماً ،، باختصار : رأوا الموت ..



كانت قلوبهم معلّقة بالله .. كانوا متيقنين ألا حافظ إلا الله .. يقول أحدهم ( وبشهادة البقيّة ) إنّه دعا الله بإلحاح وقد بلغ به العطش حدّ تمنّي الموت .. فإذا به ، وفي مكان لا يمكن أن يكون قد وطئته قدم إنسان في القريب على الأقل يرى علبة ماء صحّة ! نظيفة ، فلم يفرح بالماء الذي تقاسمه مع رفاقه ، بل فرح بالله الذي كان معه في تلك اللحظة .. علم أن الله الذي أوجد الماء في تلك اللحظة سينقذهم من تلك الرحلة المميتة ..



وقبيل المغرب وصلوا للسطح وأوجههم سوداء ، وثيابهم مشققة ، والدماء تثعب من أرجلهم .. وإيمانهم بالله بحجم ذلك تلك الجبال التي أحاطت بهم !



سهرت أعين ونامت عيون في شؤون تكون أو لا تكون



إن ربا كفاك ما كان بالأمس سيكفيك في غد ما يكـــون




ولاسم الحفيظ مع كل المخلوقات قصّة ..



فهو يحفظ الحرباء باستطاعتها أن تتلوّن ..



والحصان بقدرته على الرفس ..



والجاموس بقرن حاد يبقر به بطن خصمه ..



ويحفظ بعض مخلوقاته بالسرعة كالأرنب والغزالة وبعض الأسماك ..



وبعضها يحفظها بقدرتها على القفز كالقرد والنسناس ..



وبعضها يجعل سلاحها الذي يحفظها به صعقة كهربائية تصيب من يلمسها كأنواع متعددة من كائنات البحر !



وبعض الكائنات حفظها بسموم تكمن في أجسادها كالثعابين والعقارب ..



هذا بعض حفظه .. وما لا تعلمه البشرية من حفظه سبحانه أعظم وأكثر وأكبر !



ومن صور حفظ الله أنّه سبحانه يدافع عن المؤمنين : " إن الله يدافع عن الذين آمنوا" ..



تأمّل : إنّه لا يدفع عنهم الشر .. بل يدافعه عنهم ! وفي هذا إلماحة إلى ضراوة ما سيلاقونه وتعدد أشكاله وتنوّع صوره .. ولكن الله أعلم بما يوعي أعداؤه .. فيدافعهم ويصدّهم عن أحبابه ..



وفي الحديث القدسي : " من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب " ! تخيّل : حرباً بين عدوّ للدعوة .. وللحق .. وللدين .. وبين الله !



من المنتصر ؟ من المهزوم ؟ بل من المخذول ؟ ...



إنّه بعباده المؤمنين حفيظ .. يحفظهم حفظاً خاصّاً .. معه الحب .. والرعاية .. والقدرة .. والرحمة ..



يتجمّع مشركو قريش حول غار فيه رجلان : محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه .. والإغراءات المالية تدفعهم لقتلهم ، معها الأحقاد الدفينة ، والرغبة في حوزة وسام الظفر بأهم شخصية في تلك المدّة ..



فيتسلل الخوف إلى فؤاد أبي بكر .. فينظر إليه صاحبه العظيم ويقول : ما ظنّك باثنين .. الله ثالثهما ؟ هنا تتشتت المخاوف .. تزول الرعشة .. يذوب التوجّس



وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلّهنّ أمانُ



ها هم فتية الكهف يلتجئون إليه ويسألونه الهداية فيلجئهم إلى كهف بلا باب .. مفتوح للبشر والهوام والسباع .. ولكنّه يريد حفظهم فيلقي عليهم أحد جنوده .. إنّه جندي الرعب !! فلا يقترب من الكهف أحد إلا وانتزع الرعب رغبته في التقدّم فتراه يُهرع خائفا : " لو اطّلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا" ..



أنا وأنت إذا أردنا أن نلقي شيئا ألقينا قلما .. أو كتابا .. أو سيفا .. أو صخرة .. أما الله فيلقي أشياء أهم وأغرب وأكبر..



يقول سبحانه :" سألقي في قلوب الذي كفروا الرعب " ..



لأجل عباده وأوليائه يلقي بالرعب في قلوب الذين كفروا فتنتفض أطرافهم فرقا من أولياء الله ..



إذن على ماذا تخشى إذا استحفظته الله ..



ويحفظك بالملائكة .. فمن قرأ آية الكرسي قبل أن ينام أوكل الله به ملكا يقوم على رأسه يحفظه مما لم يقدّره الله عليه ..



تخشى من ماذا إذا كان الله معك ؟



يجعلك هذا الاسم ترغب في أن ترفع صدرك إلى الأعلى ثقة بالحي الذي لا يموت .. تمشي في الظلام .. تجوز وديان السباع .. تخوض مستنقعات التماسيح .. فالحفيظ يحيطك بهالة حفظ تجعل كل هذه الأشياء لعب أطفال تافهة ..



سعيد بن جبير يمسك به جنديان من جند الحجاج .. وبينما هم في الطريق إذ تنزل الأمطار وتلجئهم إلى صومعة راهب .. فيرفض سعيد أن يدخلها رفضا قاطعا .. فيتركانه في الأسفل ويصعدان .. فإذا بأسد يقترب من سعيد فيصرخون به من الأعلى أن اهرب .. فلا يحرّك سعيد ساكنا بل يظل في عالم من الذكر دافئ .. فيقترب الأسد أكثر .. ثم يصل إلى سعيد وكأنّه يهمس له همسا ثم ينصرف .. والجنود ينظرون بخوف والراهب ينظر بعين أخرى ويقول : هذا وليّ من أولياء الله ..



خذوا كل أموالكم واتركوا فؤادي حرا طليقا غريبـــــا



فإني أعظمكم ثــــــــــروة وإن خلتموني وحيدا سليبا




من الذي جعل الأسد يتوقف في اللحظة الأخيرة .. إنّه الحفيظ ..



أحدهم يمرّ من على سكّة الحديد مشياً .. والمشكلة أن القطار كان بكل قوّته قادما ، ولكنّ الرجل قدّر أنّه سيكون في الجهة الأخرى في الوقت المناسب ..



هذا هو تقديره .. ولكن لله تقديرا آخراً ..



فجأة تعلق رجله بين حديد السكّة .. يحاول أن ينزعها فلا يستطيع والقطار مقبل بسرعة جبّارة .. وصوته يملأ ذلك المكان برعب الموت .. والرجل يحاول بهلع .. يكاد أن يموت قبل أن يصله الموت ! ولمّا تكون المسافة بينه وبين القطار أمتارا يأذن الله لحديد السكّة أن يفسح لرجله المجال فتخرج وينتقل إلى الجهة الأخرى في ومضة كان جزء منها سينهي حياته نهاية مأساوية ..



يريد الله أن يقول لي ولك ولكل من رأى ذلك المشهد إنّه وحده الحفيظ .. فلا تركن لقوّتك ولا لتقديراتك ..



ثق بضعفك .. ثق بهزال رأيك .. ثق بفقرك .. ثم اجعل قلبك معلّقا بالله .. وردد :



أنا الفقير إلى ربّ البريّات أنا المسيكين في مجموع حالاتي



نبيّ الله لوط عليه السلام يهجم قومه على بيته يريدون أن يخلعوا باب البيت وأن يظفروا بضيوفه .. وهم ملائكة .. يا له من عار أبديّ أن يظفر فسقة قومك بضيوفك .. فقال بكل ضعف : " لو أن لي بكم قوّة أو آوي إلى ركن شديد" ..



قال نبيّنا عليه الصلاة والسلام : " يرحم الله لوطاً .. لقد كان يأوي إلى ركن شديد"



الزم يديك بحبل الله معتصماً فإنّه الركن إن خانتك أركان ..


يحفظك كما قلنا بالملائكة وبالرعب .. ويحفظك أيضا بأعدائك ! كيف يكون ذلك ؟



يقال إن لصّاً دخل إلى بيت .. وأراد أن يسرق إحدى الغرف وقد كان فيها طفل وأبواه .. فحمل اللصّ الطفلَ ونقله إلى غرفة أخرى فصرخ الطفل فاستيقظ الوالدان مبهوتان .. وتساءلا مالذي أخرج طفلهما فخرجا يبحثان عنه في المنزل .. استغل اللص تلك اللحظة ودخل غرفة الأبوين لسرقتها .. فجأة انهار سقف الغرفة ودفن اللص !



مالذي جاء باللص لينقذ تلك الأسرة من الموت تحت الأنقاض بحيلة كانت عليه لا له ! إنّه الحفيظ الذي يحفظ عباده .. يحفظهم حتى بأعدائهم !



ومن أعظم الأسباب التي تستجلب بها حفظ الحفيظ سبحانه أن تحفظه !



يقول عليه الصلاة والسلام لابن عباس : " يا غلام .. احفظ الله يحفظك .. احفظ الله تجده تجاهك .. تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدّة "



احفظ الله .. يحفظك الله



احفظه في أوامره فقم بها كما أمرك



واحفظه في نواهيه فانته عنها كما نهاك



هذا كل ما في الباب .. وبعد ذلك اشمخ على مصائب الدنيا .. سينجيك الله منها كما أنجى ذا النون بن متّى ..



لا همّ ولا غمّ ولا كرب يقارب هم وغم وكرب ذي النون يونس عليه السلام .. في ظلمات ثلاث : ظلمة البحر .. وظلمة الليل .. وظلمة بطن الحوت .. يا لها من حياة بئيسة تلك التي ستقضيها إلى أبد الآبدين في بطن الحوت على تلك الهيئة الكئيبة ..



ظلام .. ضيق .. اختناق ..



ثم يواجه ذلك السيل من الكروب بكلمة واحدة : " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" ..



فتصعد تلك الأحرف الضعيفة .. تخترق بطن الحوت والبحر والليل .. تصعد إلى السماء .. فيسمعها الملائكة فيقولون : يا رب .. صوت معروف من مكان غير معروف ..



فيجيء الفرج .. ويجيء الحفظ .. ويجيء العفو .. فيلقيه الحوت بالساحل .. وينبت عليه الحفيظ شجرة من يقطين ..



كلّنا في هذه الحياة ذو النون .. والحياة قد التأمت علينا بكروبها .. ولن ينجينا منها إلا : " لا إله إلا أنت سبحانك .. إني كنت من الظالمين" ..











علي جابر الفيفي

:33_1185028183:




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق