الخميس، 19 فبراير 2015

المرء بأصغريه //

قد نتعرض يوماً لجرح أو أذى بدني فنبادر إلى علاجه ومداواته ..

وننتظر من الأيام أن تشفيه

وقد تصيب بنا كلمة يطلقها اللسان .. مقتلاً

أو تترك جرحاً .. ربما يظل فاغراً لحين من الدهر حتى يشفيه بلسم النسيان

أو يعود فينزف حين تنكأه الذكرى مرة أخرى ..!

وقد قيل في تصوير وطأة وقع الكلمة الجارحة إذا قيلت بدون تبصر :

جراحات السنان لها التئام .. ولا يلتأم ماجرح اللسانُ



وما الفتنة في الأرض .. ولا إشعال فتيل الحروب .. وهبوب أعصار القلاقل

واجتياح عواصف الإشاعات والمبالغات ، وإذكاء البغضاء والفرقة

إلا كانت من وراءها الكلمة .. !

هي البداية والشرارة الأولى التي انطلقت، ثم انتشرت انتشار النار في الهشيم ،

وامتدت لتأكل الأخضر واليابس .



يقول الله تعالى :

( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان للإنسان

عدوّاً مبينا ) الإسراء.

هذه الآية الكريمة تدق في أذهاننا أجراس التنبيه .. وتحذرنا من الوقوع في حبائل

الشيطان الذي يتسلل عبر أخطر وأصغر مافي الإنسان .. ألا وهو اللسان .



وحين سأل الصحابيٌ الجليل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عمٌا يبعد الناس

عن النار من عمل .. قال آخذاً بلسان نفسه :

( كُفَّ عنكَ هذا )

فقال معاذ متعجباً : وإنا لمؤاخذون بما نتكلّم به ؟

قال :

( ثكلتك أمّك يامعاذ ! وهل يكبّ الناس في النار إلاّ حصائد ألسنتهم !).

لذا كانت مراقبة اللسان ، وتطهيره من الآفات ، والتثبت قبل القول ،

ووزن الكلام قبل النطق .. أمر بالغ الأهميّة .. إذ به تضمن الجنة ماإن طاب ونطق خيراً.





قلبك قبضة يدك ~

( أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ,

وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ )

القلب هو قبضة يدك .. وشرايينك وأوردتك .. وخفقة الحياة بين ضلوعك ..

هو الذي يصنع الإنسان في أعين الناس ، فيتبوّأُ المكانة التي يستحقها في القلوب.

والقلب واللسان .. توأمان يلبسان المرء طيلسان حقيقته ..

ومن خلالهماتُرى صورته.. وتُكتشف حقيقته..!





الإيمان .. والقلب واللسان ~

( الإيمان تصديق بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالجوارح ..)

ولا تجزئ المعرفة بالقلب إلا أن يكون معه نطق باللسان

ولا تجزئ معرفة بالقلب والنطق باللسان حتى يكون معه عمل بالجوارح

فإذا كملت هذه الخصال الثلاثة كان المرء مؤمناً حقاً.

وهذا التصديق القلبي والتثبت قبل إقرار اللسان هي صفة أهل اليقين

التي استوحوها من خلال الدروس والعبر التي مرّت على الأمم المستحقة للعذاب ..

لتقيهم مصارع السوء التي أحاقت بمن قبلهم :

( قد بينّا الآيات لقومٍ يوقنون )..



هؤلاء الموقنون هم أهل التثبت والتروي في الأمور..

هم المطالبون بعدم تصديق القلب لما تطلق الألسن

إلاّ من بعد معرفة الحقيقة والتيقن بصحتها ..

والتبصر بالأمور وبكل مايقال حتى يتضح ويتبين ..

وفي هذا تقول الآيات الكريمة :

( ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبإ فتبينوا ..)

تثبتوا ولا تزيدوا الفتنة تأجّجاً بتسرعكم وعدم التثبت .. فربما أعقب ذلك النّدم ..

( أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين )

اتبعتم قلوبكم .. ولم تترووا.. فحكمتم على أناس ظهرت لكم بعد ذلك حقيقتهم الناصعة ..

فندمتم على ماارتكبتم في حقهم ( ولات حين مندم )!.



وفي قصة موسى مع الخضر ثلاث مواقف بينها القرآن الكريم

لم يتريث فيها موسى حتى تتوضح له الأسباب فأنكر لسانه بالقول

وأخطأ قلبه في الحكم بالظاهر.. ولم يتأنّ ليدرك الأسباب .





أخواتي المؤمنات~

يقاس المرء بأصغريه : قلبه ولسانه ..

وفي ذلك تحضرني هذه الحكاية التي أسردها أوجزها لإضفاء الطرافة والفائدة :

يُقال أن ملكاً أراد أن يختبر حكيماً فاستدعاه وطلب منه أن يذبح شاة ويأتيه بأطيب مافيها

فكان ماأراد الملك وجاءه الحكيم بالقلب واللسان .

ابتسم الملك دلالة الرضا ، ثم طلب منه أن يذبح شاتاً أخرى ويأتيه بأخبث مافيها ..

فأحضر له القلب واللسان ..!

تعجب الملك واستغرب .. وطلب من الحكيم تفسيراً .. فقال :

يامولاي ! إن القلب واللسان أطيب مافي الإنسان إن طابا..

وأخبث مافيه إن خبثا ..!



وهكذا نستخلص من كل ماورد هنا .. ومن مواقف الحياة التي تمر بنا ..

أن العجلة ندامة ..

وأن سبق اللسانُ التفكيرَ حمق

وإن تصديق القلب دون تروي تهوّر ..

ولاننسى أن العجلة ميراث الشيطان الرجيم ..

فلنتروى ونفكر قبل القول ..

ولا نصدق القلب إلا بعد التثبت واليقين ..

وأن نتمهل في أمورنا وأحكامنا حتى لايصيبنا الغم ..

فإننا مؤاخذون بما نقول وما تمليه علينا قلوبنا ..

فإما توردنا موارد الهلاك .. أو تسلك بنا سبل النجاة

ولنكثر من الدعاء :

( ربنا لاتؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ..)

وعلى الله قصد السبيل .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق