شخص أخطأ في حق آخر ولم يسامحه، فتوى للشيخ صادق بن محمد البيضاني حفظه الله
سئل الشيخ صادق بن محمد البيضاني كما في المنتقى من فتاواه، الطبعة الأولى من المجلد رقم (1) السؤال التالي :
إذا أخطأت في حق إنسان وطلبت منه أن يسامحني ولم يفعل ..فهل يحاسبني ربي على هذا الخطأ .. مع أنى حاولت مرارًا دون فائدة ؟
إن كان الحق الذي عليك يتعلق بالأموال والأعيان المديونة أو المسروقة ونحوها وأبى أن يسامحك فلا شك أنك مسؤول ومحاسب عن ذلك الحق يوم القيامة لأن الحقوق لا زالت في الذمة عملًا بما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه "([1]).
وكذا ما يتعلق بالأمور الأخرى من شتيمة وغيبة ونميمة ونحوها عملًا بالحديث السابق وبما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتدرون ما المفلس؟ "قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال : "إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك([2]) دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار "([3]).
إلا أن الأمر في هذا يختلف عن عما يتعلق بالأموال والأعيان المديونة أو المسروقة ونحوها مما سبق ذكره إذا كان الشخص قد أحس بغلطه نحو أخيه فتسامح منه واعترف بذلك الغلط فإن رفض المسامحة وأصر تكبرًا أو عنادًا أو عزةً ونحوه فالصحيح من أقوال أهل العلم أن المسامحة قد جرت ولا يلحق هذا التائب شيء نحو أخيه الذي رفض مسامحته لأن الله عز وجل يقول : " فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ "([4]).
كما ننصح إخواننا في الله أن يسامحوا من جاء واعترف بذنبه وخطئه وأن يقبلوا منه العذر وأن يصفحوا على جهة الاستجابة لقوله تعالى: " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ"([5]).
ولقوله تعالى: " وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ "([6]) .
نزلت هذه في حادثة اتهام عائشة بالإفك الذي أذاعه المنافق عبد الله بن أبي وكان يتكلم فيها مسطح وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش وكان أبوبكر ينفق على مسطح وكان رجلًا محتاجًا فلما برأها الله حلف أبوبكر ألا ينفق على مسطح فنزلت هذه الآية : " وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "([7])
فقال : أبوبكر– رضي الله عنه - : بلى والله يا ربنا, إنا لنحب أن تغفر لنا وأعاد له بما كان يصنع([8]).
ويحكى عن الحسن البصري أن رجلًا ذكره في مجلس بسوء فعلم الحسن وأرسل له بطبق فيه تمر هدية منه مقابل تلك الإساءة، فلما سئل الحسن وقيل لما فعلت ذلك ؟ فقال : " لقد أخذ من سيئاتي وأعطاني من حسناته فأردت أن أجازيه فأرسلت له التمر".
وقد أحسن من قال :
سامِحْ أخاك إذا خَلَطْ مِنْهُ الإصابةُ والغَلَطْ
وتَجَافَ عــن تعنيفهِ إن زاغ يومًا أو قَسَطْ
واعلمْ بأنك إِنْ طَلَبْتَ مُهَذَّبًَا رُمْتَ الشَّطَطْ
مَنْ ذا الذي ما سَاء قَطْ ومَنْ له الحسنى فَقَطْ
فاتعالى:ض الطرف وعدم رد الإساءة بمثلها أولى كما قال تعالى : " ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ "([9]).
وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة– رضي الله عنه - : أن رجلًا قال : يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي, وأحلم عنهم ويجهلون علي فقال : "لئن كنت كما قلت فكأنما تُسِفهم([10]) المَلّ([11]) ولا يزال معك من الله تعالى ظهير([12]) عليهم مادمت على ذلك "([13]), فإذا جاءك أخوك المسلم واعترف بذنبه وطلب العذر فاقبل منه فهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا لما جاءه من تخلف عن غزوة تبوك واعتذروا له قبل عذرهم كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن كعب رضي الله عنهما . وبالله التوفيق .
([1]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب المظالم, باب من كانت له مظلمة عند الرجل فحللها له هل يبين مظلمته(2/865 رقم 2317)] من حديث أبي هريرة.
(([2] أراق(صب).
(([3] أخرجه مسلم في صحيحه [كتاب البر والصلة والآداب, باب تحريم الظلم(4/1997 رقم 2581)] من حديث أبي هريرة.
(([4] سورة التغابن, الآية (16).
(([5] سورة الأعراف, الآية (199).
([6]) سورة النور, الآية (22).
([7]) سورة النور, الآية (22).
([8]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب المغازي, باب حديث الإفك(4/1517 رقم 3910)], ومسلم في صحيحه [كتاب التوبة, باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف(4/2129 رقم 2770)] كلاهما من حديث أم المؤمنين عائشة.
(([9] سورة المؤمنون, الآية (96).
([10]) تطعمهم(من سففت الدواء) , وقيل تجعل .
([11]) أصل الملة: التربة المحماة تدفن فيها الخبزة, والمل: الجمر, ويقال للرماد الحار أيضاً, فالملة: موضع الخبزة وقيل: الجمر الذي تشوى فيه الخبزة ولا يقال له مل حتى يخالطه رماد, والمعنى: إذا لم يشكروك, فإن عطاءك إياهم حرام عليهم, ونار في بطونهم, وأنك منصور عليهم, فقد انقطع احتجاجهم عليك بحق القرابة كما ينقطع كلام من سف الملة, ومثل هذا قول العرب: بفيك الإثلب: أي الحجر الذي يسكت الناطق, ومع هذا فقد دخل عليهم الإثم في أديانهم بفعل ما لا يجوز في حقك كما يدخل على من يتناول الرماد الحار من الألم والتنغيص.
(([12] معاون.
(([13] اخرجه مسلم في صحيحه [كتاب البر والصلة والآداب, باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها( 4/1982 رقم2558)] من حديث أبي هريرة .
إذا أخطأت في حق إنسان وطلبت منه أن يسامحني ولم يفعل ..فهل يحاسبني ربي على هذا الخطأ .. مع أنى حاولت مرارًا دون فائدة ؟
< جواب الفتوى >
إن كان الحق الذي عليك يتعلق بالأموال والأعيان المديونة أو المسروقة ونحوها وأبى أن يسامحك فلا شك أنك مسؤول ومحاسب عن ذلك الحق يوم القيامة لأن الحقوق لا زالت في الذمة عملًا بما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه "([1]).
وكذا ما يتعلق بالأمور الأخرى من شتيمة وغيبة ونميمة ونحوها عملًا بالحديث السابق وبما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتدرون ما المفلس؟ "قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال : "إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك([2]) دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار "([3]).
إلا أن الأمر في هذا يختلف عن عما يتعلق بالأموال والأعيان المديونة أو المسروقة ونحوها مما سبق ذكره إذا كان الشخص قد أحس بغلطه نحو أخيه فتسامح منه واعترف بذلك الغلط فإن رفض المسامحة وأصر تكبرًا أو عنادًا أو عزةً ونحوه فالصحيح من أقوال أهل العلم أن المسامحة قد جرت ولا يلحق هذا التائب شيء نحو أخيه الذي رفض مسامحته لأن الله عز وجل يقول : " فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ "([4]).
كما ننصح إخواننا في الله أن يسامحوا من جاء واعترف بذنبه وخطئه وأن يقبلوا منه العذر وأن يصفحوا على جهة الاستجابة لقوله تعالى: " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ"([5]).
ولقوله تعالى: " وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ "([6]) .
نزلت هذه في حادثة اتهام عائشة بالإفك الذي أذاعه المنافق عبد الله بن أبي وكان يتكلم فيها مسطح وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش وكان أبوبكر ينفق على مسطح وكان رجلًا محتاجًا فلما برأها الله حلف أبوبكر ألا ينفق على مسطح فنزلت هذه الآية : " وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "([7])
فقال : أبوبكر– رضي الله عنه - : بلى والله يا ربنا, إنا لنحب أن تغفر لنا وأعاد له بما كان يصنع([8]).
ويحكى عن الحسن البصري أن رجلًا ذكره في مجلس بسوء فعلم الحسن وأرسل له بطبق فيه تمر هدية منه مقابل تلك الإساءة، فلما سئل الحسن وقيل لما فعلت ذلك ؟ فقال : " لقد أخذ من سيئاتي وأعطاني من حسناته فأردت أن أجازيه فأرسلت له التمر".
وقد أحسن من قال :
سامِحْ أخاك إذا خَلَطْ مِنْهُ الإصابةُ والغَلَطْ
وتَجَافَ عــن تعنيفهِ إن زاغ يومًا أو قَسَطْ
واعلمْ بأنك إِنْ طَلَبْتَ مُهَذَّبًَا رُمْتَ الشَّطَطْ
مَنْ ذا الذي ما سَاء قَطْ ومَنْ له الحسنى فَقَطْ
فاتعالى:ض الطرف وعدم رد الإساءة بمثلها أولى كما قال تعالى : " ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ "([9]).
وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة– رضي الله عنه - : أن رجلًا قال : يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي, وأحلم عنهم ويجهلون علي فقال : "لئن كنت كما قلت فكأنما تُسِفهم([10]) المَلّ([11]) ولا يزال معك من الله تعالى ظهير([12]) عليهم مادمت على ذلك "([13]), فإذا جاءك أخوك المسلم واعترف بذنبه وطلب العذر فاقبل منه فهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا لما جاءه من تخلف عن غزوة تبوك واعتذروا له قبل عذرهم كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن كعب رضي الله عنهما . وبالله التوفيق .
([1]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب المظالم, باب من كانت له مظلمة عند الرجل فحللها له هل يبين مظلمته(2/865 رقم 2317)] من حديث أبي هريرة.
(([2] أراق(صب).
(([3] أخرجه مسلم في صحيحه [كتاب البر والصلة والآداب, باب تحريم الظلم(4/1997 رقم 2581)] من حديث أبي هريرة.
(([4] سورة التغابن, الآية (16).
(([5] سورة الأعراف, الآية (199).
([6]) سورة النور, الآية (22).
([7]) سورة النور, الآية (22).
([8]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب المغازي, باب حديث الإفك(4/1517 رقم 3910)], ومسلم في صحيحه [كتاب التوبة, باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف(4/2129 رقم 2770)] كلاهما من حديث أم المؤمنين عائشة.
(([9] سورة المؤمنون, الآية (96).
([10]) تطعمهم(من سففت الدواء) , وقيل تجعل .
([11]) أصل الملة: التربة المحماة تدفن فيها الخبزة, والمل: الجمر, ويقال للرماد الحار أيضاً, فالملة: موضع الخبزة وقيل: الجمر الذي تشوى فيه الخبزة ولا يقال له مل حتى يخالطه رماد, والمعنى: إذا لم يشكروك, فإن عطاءك إياهم حرام عليهم, ونار في بطونهم, وأنك منصور عليهم, فقد انقطع احتجاجهم عليك بحق القرابة كما ينقطع كلام من سف الملة, ومثل هذا قول العرب: بفيك الإثلب: أي الحجر الذي يسكت الناطق, ومع هذا فقد دخل عليهم الإثم في أديانهم بفعل ما لا يجوز في حقك كما يدخل على من يتناول الرماد الحار من الألم والتنغيص.
(([12] معاون.
(([13] اخرجه مسلم في صحيحه [كتاب البر والصلة والآداب, باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها( 4/1982 رقم2558)] من حديث أبي هريرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق