الخميس، 1 مايو 2014

الوهن يرتدى قناع السماحة




الوهن يرتدي قناع السماحة



كتبت / هبة القاضي





كثُر الحديثُ عن سماحة الإسلام في مواضع القوة حتى صِرنا أذِلاَّء، فهل من سماحة الإسلام أن نُعطي الدنيَّةَ في دينِنا حتى نتعايش مع الآخرين؟!

بالطبع لا؛ فإن سماحة الإسلام تَكمُن في عدلِه وقوَّتِه، في عفوِه عن قوة وليس من ضعف، يا مَن تتشدَّقون ليل نهار بهذه الكلمة، هل تعلمون أنه في أُحُد وبعد أن انتهت المعركة بما انتهت، إذا بأبي سفيان - قبل إسلامه - يُنادي المسلمين، فكان فيما قال: لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم؛ أي: يُخاطِب المسلمين بعد جراحهم، وبعد أن قُتِل منهم من قُتِل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((ألا تُجيبوه؟!))، قالوا: ما نقول؟ قال: ((قولوا: الله مولانا، ولا مولى لكم))، ثم قال أبو سفيان: يومٌ بيوم بدر والحرب سِجال، فقال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، الله مولانا ولا مولى لكم.



نعم؛ فإن عزَّة هذه الأمة بدينها، فلا عزة ولا كرامة ولا نَصْر بدون إيمان قوي وعقيدة راسخة، فكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: "كنا أذِلَّة فأعزَّنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزةَ بغير الإسلام أذلَّنا الله".



فما لكم تتحدَّثون دومًا عنِ السماحة واللين في مواضع القوة، وتتجنَّبون الحديثَ عن جوانب أخرى: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ﴾ [البقرة: 85].



لا أُنكِر أبدًا أن الإسلام جاء متمِّمًا لمكارم الأخلاق، وأن ندفع بالتي هي أحسن، ولكننا لا نُنكِر أيضًا أن ذِروة سَنامِ هذا الدين هو الجهاد، ولا نخشى الحديث عنه خوفًا من أن نُتَّهَم بالإرهاب؛ فالإرهاب هو مَن يَسفِك الدماءَ بغير حقٍّ، والفرق بين الإرهاب والجهاد كالفرق بين الثرى والثريا لا يستويان.



هم صدَّروا إلينا دهورًا أن كل مَن يحمل سلاحًا في سبيل الله هو إرهابي، فصِرْنا نخشى أن نُتَّهَم به.



هل تعلمون حديثَ النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن مات ولم يغزُ أو يُحدِّث نفـسه بالغزو، مات على شُعْبة من النفاق)).



وحديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم، قال فيه: ((إذا تَبايعتم بالعِينة، وتَبِعتُم أذنابَ البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهادَ في سبيل الله، سلَّط الله عليكم ذلاًّ، لا يَنزِعه عنكم حتى ترجعوا إلى دِينكم)).



عن ماذا تبحثون إذًا؟! هل تريدون إرضاء مَن قال الله عنهم: إنهم لن يرضوا حتى تتَّبِع مِلَّتهم؟!

اعلم - هداكَ الله - أنهم لن يُغْنوا عنك من الله شيئًا؛ فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومَن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس))؛ رواه ابن حبان في "صحيحه".



وقد قال الله تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]، فلماذا صِرْنا رحماء على الكفار أشداء بيننا؟! ما لنا صِرنا إذا استُبيحَت أعراضُنا ونساؤنا ودماؤنا قلنا: سلامًا؟ لا والله، فهذه ليست سماحة، إنه الوَهَن الذي أخبر عنه صلى الله عليه وسلم قائلاً: ((يُوشِك الأممُ أن تَداعى عليكم كما تداعى الأكَلةُ إلى قصعتها))، فقال قائل: ومن قِلَّة نحن يومئذ؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غُثاءٌ كغثاء السيل، وليَنزِعنَّ الله من صدور عدوكم المهابةَ منكم، وليَقذِفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن))، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهَن؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((حبُّ الدنيا وكراهية الموت))، ألم يَقُل الله: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾ [النحل: 126]، وفي آية أخرى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 178].



من كلِّ هذا أريد أن أقول: إي نَعَم، الإسلامُ دينُ عفوٍ وسماحة وأخلاق، ولكن عن قوة، وليس من ضَعْف، أن أكونَ قادرًا على أخذ حقي أولاً، ثم لي الخيار بعد هذا أن أعفو أو أقتص؛ لأن الإسلام يا سادة دينٌ شامل أتمه الله وأكمله، فأحسن إتمامه، فلا ينبغي أن نأخُذَ منه بعضًا ونَغُضَّ الطرفَ عن البعض الآخر، فهذا خَلَلٌ في العقيدة، ويجب أن تُراجِع عقيدتك حينئذ.



وأخيرًا، يُلخِّص هذا كلَّه قولُ الله: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الممتحنة: 8، 9].



إذًا إخوتي، هذا هو المقياس الذي تَقيس عليه أفعالك، فإن أردتَ العِزَّة، فتَمسَّك بكل ما تَملِك بدِينك, ودافع بكل ما تَملِك عن عقيدتك، ولو كنتَ الوحيد على هذه البسيطة.



فبالدين ترتقي القِمَم, وبالعقيدة والإيمان تَربَح في الدنيا والآخرة، في هذا فالله مولاك، وأما ما دونه فلا مولى لك.





رابط المقال : الوهن يرتدي قناع السماحة





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق